ـ استراتيجية إصلاح الإدارة العامة- مقترح من 14 برنامج استراتيجي
التزامات الحكومة الحالية بعد احداث وزارة التنمية الادارية

تطبيق مبادئ إدارة التغيير على إصلاح الإدارة العامة
تقدم الخطة الوطنية الادارية التي قدمها الوزير النوري للحكومة وصادقت عليها إطاراً لعملية تطوير اداري و اقتصادي واجتماعي طموحة وتشدد على ضرورة وجود التفاعل الوثيق بين عمليات الإصلاح المزدوج في المجالين الاقتصادي والإداري. وتطرح الخطة الوطنية الادارية التي قدمها الوزير الدكتور النوري بعد احداث وزارة التنمية الادارية طموحاً استثنائياً في شموله. فقد تم تحديد أكثر من 40 من المبادرات أو السياسات أو البرامج في الفصول الخمسة الأولى وحدها من الخطة. وتتضمن الخطة رؤى معلنة وزخماً مبرمج يبلغ حد إعادة تعريف أساسية لدور الدولة فيما يتعلق بالاقتصاد. وهي تدعو أحياناً إلى إعادة تحديد الصلاحيات الحكومية والوزارية، وإلى التجديد والابتكار في استخدام أدوات السياسات. ومن المحتمل أن تلامس المبادرات والاستراتيجيات كل مواطن وكل منزل في الجمهورية العربية السورية تقريباً. ونرى من المناسب أن نسأل عن إمكانية احتمال نجاح هذه التغيرات الرئيسية ضمن الفسحة الزمنية التي وضعتها الحكومة السورية لنفسها، وذلك بالنظر إلى القدرات المتوفرة فيما يتعلق بالقيادة الملتزمة بالإصلاح و تنفيذ الإصلاح الموجه. ونجد أنه من المفيد مقاربة هذا السؤال من منظور إدارة التغيير. يحدد ج.ب. كوتر[1]، وهو واحد من خبراء إدارة التغيير، ثمانية خطوات أساسية في عملية إدارة التغيير. هذه الخطوات مدرجة في الجدول XY، وقد علقنا على الخطوات الأولية من هذه القائمة بشكل خاص، لأنها تناسب الأوضاع الحالية. وتعمل الخطوات التالية كمرشد لتوصياتنا الخاصة فيما يتعلق بصياغة البرامج المختلفة للاستراتيجية والخطة الشاملة لإصلاح الإدارة العامة. 1.1.1 ترسيخ الشعور بملحاحية الإصلاح عن طريق تحديد المخاطر والفرص الرئيسية يجب أن يكون موظفو الحكومة رفيعو المستوى قد لاحظوا التحديات التي تواجه سورية. ولا تخفي تصريحاتهم الحقائق؛ وندرك أن الجمهور المطلع يعرف هذه العقبات أيضاً. و شيئاً فشيئاً سيعرفها المجتمع ككل. وبحسب السيد عبد الله الدردري، نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية (والرئيس السابق لهيئة تخطيط الدولة)، يتنامى الشعور بالملحاحية تدريجياً بفعل الحقائق التالية: ستنضب إيرادات الدولة من النفط، فالمعروف الآن أن معظم مكامن النفط ستستنفذ مع العام 2015؛ وبما أن موارد الدخل هذه تشكل 60% من دخل الدولة العام، تحتاج الدولة إلى مصادر بديلة من التمويل. ولن يكون مصدر الضرائب الأساسي إلا قطاعاً خاصاً مزدهراً بغض النظر عن أي الأنظمة الضريبية سيتم اعتماده (أي: ضرائب الأجور، ضرائب الدخل الفردي، أو ضرائب المبيعات، أو ضرائب القيمة المضافة). وفي غياب الإصلاح، يقدر أن عجز موازنة الدولة سيصل 14% من الإيرادات مع عام 2010، أو حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو قابل للزيادة. ومع أن ارتفاع أسعار النفط أو إدخال تقنيات جديدة (لم تبتكر بعد) يمكن أن يعطي مهلة إضافية لسنوات قليلة، إلا أن المكامن تبقى مصادر محدودة وهذا يقتضي تمويلاً بديلاً لنفقات الدولة الحالية. سيصل عدد البالغين سن العمل خلال السنوات العشر القادمة إلى أكثر من 2.1 مليون شاب، بينما لن يتجاوز عدد الذين سيبلغون سن التقاعد القانوني (60 عاماً) إلا 1.1 مليوناً فقط، وهذا ينطوي على إضافة صافية للقوى العاملة تبلغ حوالي المليون. بما أن سورية تعيش نسبة مشاركة ضعيفة نسبياً في سوق العمل (مما يعكس دور النساء كربات بيوت ومنتجات)، سيكون الباحثون الفعليين عن العمل أقل من ذلك التقدير. ولا تزال التشخيصات الرسمية تقول بأن نسبة البطالة الإجمالية ستبلغ 24% في عام 2010 (وبمستوى عال بين الشباب) ما لم توضع سياسات تنمية مسبقة. يجب أن يزود الاقتصاد جيش اليافعين بطموحات ملموسة في الحياة يفترض أن تكون أعلى من طموحات أهلهم. فليس المهم هنا هو خلق فرص العمل والتعليم الكافي والتدريب المناسب للمجتمع الديناميكي فحسب، بل الاستقرار الاجتماعي أيضاً. يخدم إرخاء قيود التجارة الدولية الجاري حالياً مصالح سورية على المدى البعيد، ولكن من الممكن أن يؤدي إلى عراقيل قصيرة الأمد لأن قوى السوق تحل محل التحكم البيروقراطي بالأسعار، وإعانات الدولة وهبات الشركات. وستواجه الحكومة المؤيدة للنمو تحدياً مزدوجاً في الإصلاح الإداري: تأسيس نظام فعال ناجع من أجل ضبط الإنتاج وفقاً للمعايير الدولية من ناحية، وخلق إطار لضبط سوق العمل، والتدريب والتعليم الأساسي من ناحية أخرى. وكلا المهمتين مُتَضمنٌ في الخطة الوطنية الادارية. ويكمن التحدي في ربط التفكير والتحليل مع خارطة الطريق معقولة واقعية للإصلاح الإداري قابلة للتنفيذ في الواقع السوري المعاند والمتجعد. إقامة تحالف توجيهي من خلال جعل مجموعة من المديرين النافذين [موظفي الحكومة الكبار] تعمل ضمن فريق يمنعنا ضيق الوقت من الدخول في أية تفصيلات قاطعة حول القوة النسبية لمختلف قوى الإصلاح ضمن الحكومة والحزب الحاكم. ويلاحظ مراقبون مستقلون وجود التزام عام بالإصلاح الذي انبثق من مؤتمر حزب البعث عام2005 وتجدد الان في الحكومة الجديدة بعد احداث وزارة متخصصة للادارة. ومع أن ليس من شأن تغيير المصطلحات أن ينتج إصلاحاً اداريا او اقتصادياً أو اجتماعياً، فإن المراقبين يذكروننا بأن التبني الرسمي لمصطلح ’اقتصاد السوق الاجتماعي‘ (وإن بدا عديم المعنى من وجهة نظر عملية) إلا أنه يشير إلى تغير النظرة إلى مستقبل سورية ضمن سياق التصريحات السياسية الرفيعة متقنة الأسلوب في مناسبات من هذا النوع. ومع ملاحظة ذلك، ثمة تكرار لحقيقة أن الحزب، والحكومة ضمناً، صار يستطيع تصور اقتصاد السوق الآن بما فيه من حل لشركات الدولة الفاشلة الخاسرة المترهلة، مع الدعوة إلى سياسات محددة وبرامج وخطط عمل تطويرية. وبالمقابل، يمكن أن نستنتج أنه، ومع أن التوجهات السياسة الكلية مستقرة الآن على الالتزام بحلول السوق الاجتماعي الذكي المحابي لموظفي الدولة واسر الشهداء فإن الإصلاحات الفعلية تظل وشيكة. ويبقى موضع تخمين ما إذا كانت حالة الجمود عائدة إلى توازن في الآراء المتعارضة على الأساسيات ضمن التحالفات الحاكمة، أو إلى مجرد خلافات على السرعة المرغوبة وعلى ترتيب مبادرات الإصلاح المحددة. وكما هي الحال في بيئة الحزب الواحد، ثمة تشديد واضح على إجماع الآراء. كان هذا واضحاً، على سبيل المثال، عند تعيين الحكومة الحالية منذ سنة ونصف؛ لكن ما حدث فعلاً هو تعيين الوزراء من طيف واسع من التوجهات فيما يتعلق بالإصلاح، حتى تكون في الحكومة وجهات نظر مختلفة لكن نقول ان الاداء غير مرضي. في حين يمكن لهذا الترتيب تأكيد ’اليد الثابتة‘ في توجيه الإصلاح والتي تعتمد على الإجماع، وهو ما يمكن أن يكون جذاباً من الناحيتين السياسية والاجتماعية، فإن هناك خطراً من أن يسبب جموداً أو توقفاً للسياسات الجارية. ونعتقد أن تذبذب التزامات الإصلاح يمكن أن يكون مؤثراً مع غياب خارطة الطريق العملية الكاملة. وبهذا الخصوص، نأمل أن يساهم التقرير الحالي والبحث الحالي الذي نقدمه في عملية صنع الرؤى العملية والالتزامات العامة.


[1]- ثمانية خطوات أساسية في إدارة التغيير:
· ترسيخ الشعور بالضرورة عبر تحديد المخاطر والفرص الأساسية؛
· تأسيس اتحاد توجيهي عبر مجموعة مديرين نافذين يعملون ضمن فريق؛
· تطوير رؤية واستراتيجية عبر خلق رؤى واستراتيجيات متنامية لتنفيذها؛
· نقل رؤية التغيير عبر اتصال مطرد وتصرف مثالي؛
· تمكين الموظفين من العمل عبر تغيير الأنظمة وتشجيع تحمل المخاطر؛
· استحداث انتصارات قصيرة الأمد عبر تخطيط التحسينات ومكافأة المعنيين؛
· تعزيز وإنتاج تغيير أكثر عبر ترقية من الذين ينفذون التغيير؛
· إرساء مفاهيم جديدة في الثقافة عبر تسوية الإدارة والأداء.
ج.ب. كوتر، قيادة التغيير، مدرسة هارفرد للأعمال، 1996.