يتزامن مقالي هذا مع الاحتفال بالأسبوع العالمي لريادة الأعمال الذي تشارك فيه 100 دولة سنوياً. ويهدف إلى زيادة الوعي لدى الشباب بثقافة ريادة الأعمال وترسيخ مفاهيم العمل الحر. ومع تواضع مشاركة المملكة مقارنة ببلدان عربية أخرى مثل البحرين ولبنان، إذ لم يرصد الموقع الرسمي لهذا الأسبوع العالمي أي مشاركة للسعودية عند كتابة هذا المقال، فإنه يجدر بأن نطرح أمام المتخصصين والمعنيين والقراء الكرام عدداً من الأسئلة والاستفسارات الملحة التي يتعين علينا الإجابة الشافية عليها والعمل على تحقيقها إن أردنا المضي قدماً في دعم ريادة الأعمال وبناء اقتصاد المعرفة.
ولعل أول الأسئلة هو ما هو التعريب الصحيح لكلمة Entrepreneurship؟ ففي حين يندر أن ترى جدلاً وخلافاً حول تعريف الكلمة بين المؤسسات العلمية والأكاديمية من جهة وقطاعات الأعمال والممارسين من جهة أخرى في دول سبقتنا في هذا المجال أمثال الأردن ومصر والبحرين نجد أن الجدل لا يزال قائماً حول التعريب الصحيح لهذا العلم. فلدينا من يسميها ''روح المبادرة''، وهناك مؤسسات قائمة باسم ''المبادرة''، وجهات أخرى تسميها ''العصامية''، وثالثة تطلق عليها ''المبادأة''، ورابعة اشتطت فسمتها ''بالاعتمار''! وأرى أن المرجع في هذا التعريب هو الكليات العلمية والمتخصصون في هذا المجال وليس الممارسين له والمبادرين لتطبيقه. وإذا غابت المرجعية التنظيمية لرواد الأعمال والمنشآت الصغيرة على مستوى الوطن فيجب ألا تغيب معها المرجعية العلمية لهذا العلم.
وكلمة Entrepreneurship هي في الأصل كلمة فرنسية تعني الشخص الذي يباشر أو يشرع في إنشاء عمل تجاري. وكان الاقتصادي ورجل الأعمال الفرنسي الشهير جين بابيستيه صاحب القانون الاقتصادي المسمى قانون ساي هو أول من استخدم المصطلح في نحو عام 1800 بالمعنى نفسه. وهي في كل المصطلحات الغربية مرتبطة بإنشاء الأعمال والمشاريع. كما أنه قد كان من أبرز التوصيات الأكاديمية للمتخصصين المشاركين في المؤتمر الدولي الأول لريادة الأعمال الذي انعقد في جامعة الملك سعود قبل عام الاتفاق على تعريف كلمة Entrepreneurship بريادة الأعمال وتعريف ريادة الأعمال بأنها ''إنشاء عمل حر يتسم بالإبداع ويتصف بالمخاطرة''، وهذا التعريف يتوافق مع ما تعتمده منظمة اليونيودو التابعة للأمم المتحدة، والمنظمة العربية للتنمية الإدارية، والجمعية السعودية لريادة الأعمال.
أما السؤال الآخر فمن المسؤول عن ريادة الأعمال؟. أو بتعبير آخر ما جهة المرجعية لريادة الأعمال؟. وهو السؤال نفسه الذي كان يطرحه ويطالب بالإجابة عنه أصحاب المنشآت الصغيرة منذ سنوات. فلا توجد جهة رسمية واحدة تقع على عاتقها مسؤولية هذه القطاعات الحيوية التي تسهم مساهمة فاعلة في اقتصاديات الوطن وقدراته التنافسية المستقبلية، فالمنشآت الصغيرة تمثل ما يزيد على 85 في المائة من المنشآت السعودية وتسهم بنحو 40 في المائة إلى 60 في المائة من الناتج القومي المحلي كمتوسط في الدول المتنامية. وإذا استمر قطاع ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة على حاله هذه دون أن تتبناه جهة معينة موحدة ومتفرغة لهذه المهمة فستتفاقم مشاكله، وتزداد عوائقه إلى الحد الذي تتعارض معه جهود الجهات المتحمسة لدعمه، وتتداخل الاختصاصات، وتتنازع الصلاحيات. وعندما تتأخر كثيراً سيصعب تدارك تنظيمه من جديد، ووضع الخطط التنفيذية الفعالة المترجمة لخطط التنمية الخمسية. تلك الخطط القومية الطموحة التي تدعو بكل وضوح للاهتمام بالمنشآت الصغيرة وريادة الأعمال والاقتصاد المعرفي لكنها تتعثر بعد ذلك.
والسؤال الثالث هو أين الجامعات السعودية من هذا التخصص الحديث الذي يقول عنه أحد العلماء المتخصصين إن ريادة الأعمال ستكون أكبر قوة اقتصادية عرفتها الإنسانية حتى الآن! ذلك أن ''الثروة الريادية'' التي جذبت اهتمام العديد من الباحثين والممارسين خلال السنوات العشر الأخيرة استطاعت أن تغزو جميع جوانب الفكر والتخطيط الإداري في الوقت الراهن. وستكون عملية تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشروعات ريادية ومؤسسات أعمال قابلة للنمو والازدهار هي التحدي الأكبر الذي سيواجه البلدان المتقدمة. ومع غياب إدراك هذه التوجهات العالمية الحديثة غاب اهتمام الجامعات السعودية بهذا المجال. وبحسب المسوحات الإحصائية المجراة حديثاً هذا العام تبين أنه لا يوجد أي جامعة سعودية حكومية تقدم مقرراً مستقلاً باسم ريادة الأعمال سوى جامعة الملك سعود بالرياض. في حين أن الإحصاءات الحديثة المتعلقة بالولايات المتحدة وحدها توضح أن عدد الكليات التي تدرس مقررات ريادة الأعمال كان 16 كلية عام 1970 تم قفز إلى 504 كليات عام 2001 ليصل إلى أكثر من 1100 كلية عام 2008. وأضاف التقرير أن جميع كليات إدارة الأعمال في أمريكا والتي يزيد عددها على 220 كلية تدرس مقرر ريادة الأعمال ونحو 195 تنتقل من مجرد تدريس المقررات إلى تقديم تخصصات رئيسة في هذا المجال. أما المناصب الممولة كالكراسي البحثية والمناصب الشرفية والوظائف المدعومة من خارج الجامعات لأعضاء هيئة التدريس في مجال ريادة الأعمال فقد كانت منصباً واحداً في عام 1963 لتصل إلى 277 منصباً عام 1999 ثم 33 منصباً عام 2005. وارتفع عدد مراكز ريادة الأعمال والمجالات المرتبطة بها من 48 مركزاً عام 1989م إلى 90 مركزاً عام 1996، ثم بلغت 200 مركز عام 2006. أما الدوريات العلمية والإصدارات المتخصصة في مجال ريادة الأعمال تتضاعف كل ثلاث سنوات اعتباراً من عام 1987 ليصل عددها حتى عام 2006 إلى 68 دورية في أمريكا وأوروبا. هذا التوجه المستقبلي الناضج لريادة الأعمال في الدول المتقدمة لا يزال يقابله تلكؤ كبير من قبل البيروقراطيين في جامعاتنا السعودية والعربية، ويكاد الطرح في أروقتها أن يتحول إلى شخصنة تبتعد عن التجرد الهادف إلى خدمة الوطن وتأهيل أبنائه لمتطلبات المستقبل.