معظم النصائح الخاصّة بمقابلات العمل تتعلّق بكيفية تقويم مهارات الشخص المرشّح لشغل الوظيفة، إذا كنت أنت الشخص الذي يجري المقابلة مع المرشح، وبكيفية إظهار مهاراتك إذا كنت أنت المرشّح لشغلها – بحيث تظهر بمظهر الشخص الذكي الذي يمتلك حافزاً كبيراً. وهنا تكمن المشكلة ومنذ البداية. لأن الشيء الأهم الذي يجب أن تُبديه في هذا النوع من مقابلات العمل هو ليس بأنك ذكي وتمتلك حافزاً كبيراً بل بأنك أهل للثقة.

فجدارة المرء بالثقة هي الخصلة الأساسية التي يبحث عنها الناس – وليس فقط من يجرون المقابلات – وهم يبحثون عنها بطريقة تلقائية ولاواعية في الآخرين. وهي العنصر الذي سيحدّد مصيرك سلباً أو إيجاباً. وكما أظهرت دراسات كثيرة أجرتها آمي كودي من هارفارد وآخرون غيرها، فإن هناك صفتين يجب أن تمتلكهما ليُنظر إليك على أنك شخص أهل للثقة ألا وهما “الدفء” و”الكفاءة”. فالدفء يشير إلى أنك تمتلك نوايا حسنة تجاه الشخص الناظر إليك، بينما تشير الكفاءة إلى أنك قادر على وضع هذه النوايا الحسنة موضع التطبيق. فالشخص الذي يخضع لمقابلة ويتّصف بالدفء والكفاءة يُنظر إليه على أنه حليف مُحتمل مهمّ للغاية. ولكن إذا كان ذات الشخص يمتلك الكفاءة دون أن يُظهر الدفء خلال المقابلة فإنه سيُنظر إليه بوصفه عدوّاً محتملاً مرهوب الجانب أي أنه من النوع الذي لا يجيد العمل ضمن فريق والذي قد يتسبّب بالمتاعب مستقبلاً.

لذلك إذا اتّبعت النصائح المعتادة الخاصّة بالمقابلات، وركّزت كل طاقتك على تسليط الضوء على كفاءتك وإبرازها، ونسيت أن تبعث برسائل تشير إلى الدفء الموجود لديك، فإن من يجري المقابلة معك سيشعر على الأرجح بشيء من الاحتراس تجاهك. بالتأكيد قد يكون السؤال الذي يوجّهه لك من يجري المقابلة معك مقتصراً على مهاراتك، ولكن هذا ما كان قد درّب على فعله أصلاً. وهذا لا يعني بأنك لا تستطيع الإجابة عن السؤال الذي يطرحه فعلاً، حتى لو لم يكن يدرك ذلك.

لذلك دعونا نراجع اثنين من أكثر الأسئلة شيوعاً والتي تطرح على الناس خلال مقابلات العمل، وكيف بإمكانكم اغتنام هذه الفرص لتعبّروا عن دفئكم و عن كفاءتكم في إجاباتكم.

“أخبرني عن نفسك”
هذا سؤال عظيم يتيح الفرصة للمرء لكي يُبدي كفاءته، ومعظم الناس يشعرون بسعادة غامرة من هذا السؤال لينطلقوا في خطابهم الذي حضّروهم وتدرّبوا عليه مليّاً أمام المرآة في الحمّام ومحوره “دعوني أخبركم عن الأسباب التي تجعل منّي شخصاً عظيماً”. لكنّه سؤال عظيم أيضاً لإرسال إشارتين قويّتين للغاية تتّسمان بالدفء ألا وهما: “التواضع” و”الامتنان”.
دعونا نناقش خصلة “التواضع” أولاً. أعلم أنّ من المغري جدّاً أن يحاول المرء سرد الإيجابيات التي يتمتّع بها، غير أنّ الأبحاث تُظهر بأنك إذا أبديت بعض التواضع بخصوص مهاراتك وقدراتك، فإن الناس سيضيفون ما مقداره 20% إلى 30% وسطياً إلى تقديراتهم الخاصّة بكفاءتك. ولكن إذا تماديت في الترويج لقدراتك العظيمة، فإنهم سيحذفون المقدار ذاته من تقديراتهم.
سيكون ضرباً من المبالغة الشديد أن تقول: “أنا شخص عظيم جدّاً مع الزبائن. وهم يحبّونني.”
أمّا الطريقة البديلة لقول ذات الأمر بشيء من التواضع فهي: “لقد عملت بجدٍّ كبير لكي أتفهّم ما الذي يحتاجه الزبائن، وأنا فخور بالنجاحات التي حقّقتها معهم.”
“لماذا غادرت وظيفتك السابقة؟”
عندما يتعلّق الأمر بإبداء الامتنان، فأنت لم تصل إلى ما وصلت إليه بمفردك، وبالتالي، يتعيّن عليك أن تكون صريحاً في هذا الصدد. فعندما تذكر قدراتك ونقاط قوّتك، لا تنسى أن تذكر أيضاً الإرشاد الذي حصلت عليه، والفرص التي خلقها الآخرون لك لتطوّر نقاط قوّتك. قل بأنك شخص محظوظ جدّاً حصل على الكثير من المساعدة والتوجيه.
هذا هو السؤال الذي يَسْهُلُ على الكثير جدّاً من الناس الوقوع في مطبّ الإجابة عنه. فالجميع يقولون بأن التفوّه بكلام سيء بحق رب عملك السابق أو مؤسستك السابقة هو فكرة سيئة، وهم محقّون في نصيحتهم هذه. لذلك فإن النصيحة التي يقدّمونها لك عوضاً عن ذلك هي بأن تركّز على أنك “في طور البحث عن تحدّيات جديدة” وبأنّك تحاول تطوير نفسك ضمن وظيفة جديدة أو منصب جديد. هذه نصيحة لا بأس فيها، إذا كنت مهتمّاً بأمر الكفاءة فقط، ولكن لاحظ كمّ مرّة ترد كلمة “أنا” في هذه الإجابات: “أنا أبحث عن تحدّيات جديدة. وأنا أريد تطوير نفسي.” وماذا عن الناس الذين تركتهم وراءك؟ وأين هو “ولاؤك”، وإحساسك “بالمسؤولية” (وهذان مؤشران رئيسيان على الدفء.)
لكي تُظهر ولاءك، تحدّث عن حجم الألم الذي شعرت به عندما غادرت عملك السابق (حتى لو لم يكن ذلك صحيحاً) – وكيف أنك أنت وزملاءك كنتم تهتمّون ببعضكم بعضاً. قل بأنه لو كانت هناك طريقة تسمح لك بمواصلة تطوير ذاتك وتحدّي نفسك في عملك السابق، لكنت بقيت فيه ولم تغادره. فإذا ما بدا بأنه كان من السهل عليك أن تغادر فريقك السابق، فإنهم سيفترضون بأن من غير الصعب عليك أن تغادرهم هم أيضاً.
ولكي تُظْهِرَ حسّ المسؤولية لديك، ثمّة أمران يجب أن تبعث بهما: أولاً (وهو الأوضح) أنّك توّاقٌ لاستلام مسؤوليات جديدة، وثانياً بأنك لم تترك أيّاً كان يترنّح وحيداً عندما غادرت وظيفتك القديمة. بعبارة أخرى، أنت يجب أن توضح وبكل جلاء بأنك قد أخذت مسؤولياتك على محمل الجد في وظيفتك السابقة أيضاً. وربما قد يكون من المفيد أن تذكر بأنك قد فكّرت في ترك عملك السابق في وقت أبكر لكنك بقيت حتى استكمال مشروع رئيسي أو أنك قد انتظرت حتى بات الشخص البديل جاهزاً ليشغل منصبك مكانك.
وثمّة طريقة قويّة أخرى لتُظْهِرَ فيها دفأك وكفاءتك من خلال الأسئلة التي تطرحها على الشخص الذي يجري المقابلة معك. فأنت بوسعك أن تستفيد من تلك الأسئلة تحديداً لكي ترسل ثلاثاً من أكثر الإشارات دفئاً والتي بوسعك إرسالها: “الاهتمام” بالشخص المتلقي، و”التأكيد” على مهاراته وقدراته، و”التعاطف” معه.
فطرح الأسئلة التي ترسل الإشارات الصحيحة يمكن أن يخلق فرصاً قيّمة تسمح لك بأن تبدو بمظهر الشخص الدافئ والكفوء. فعلى سبيل المثال، بوسعك إظهار الاهتمام بالشخص الذي يجري المقابلة معك من خلال طرح السؤال التالي عليه: “إذاً، كيف وصلت إلى وظيفتك (أو شركتك) الحالية؟” أو “ما الذي تعمل عليه حالياً؟” قد تكشف الإجابات عن قواسم مشتركة ونقاط تشابه تجمعكما في الخلفية، أو الخبرة، أو الأهداف، أو قد تمنحك الفرصة لتعبّر عن تعاطفك وتفهّمك للتحدّيات المشتركة. كما بوسعك أن تؤكّد على دور الشخص الذي يجري المقابلة ومهاراته من خلال طرح السؤال التالي عليه: “ما هي النصيحة التي تقدّمها إلى شخص (يشغل الوظيفة التي تقدّمت بالطلب للحصول عليها)؟” فقد أظهرت الأبحاث، وخلافاً لما يشير إليه الحدس، بأنّ طلبك للنصح واعترافك بما لا تعرفه يجعلانك تبدو شخصاً دافئاً وكفوءاً في الوقت ذاته.
خصّص وقتاً لا بأس به لتفكّر بعمق بالطريقة التي ستستعملها لتُظْهِرَ دفئك خلال مقابلتك القادمة – أو خلال اتصالك القادم مع زبون جديد أو مع زميل في العمل. ومهما قلت فإنني أجد صعوبة في المبالغة بتعداد المكاسب التي ستحققها إذا ما أظهرت بأنه شخص جدير بالثقة، أو الفرص التي ستخسرها إذا لم تفعل ذلك.