لا ينتهي الجدل بين المعنيين بشؤون الإدارة والخبراء، حول المقارنة بين مساحات المكاتب المفتوحة والمغلقة. إلا أن ما ينبغي عليهم الاهتمام به أكثر هو: مرونة العمل، وأن يُعطى الموظفون خيار العمل حسب إرادتهم، لا كما تفرضه عليهم المؤسسة. غير أن أبرز مظاهر هذه المرونة العمل عن بعد، أي إمكانية العمل من أماكن أخرى غير المكتب. وتعد ديل و(إيتنا-Aetna) و(زيروكس- Xerox) من بين بعض الشركات التقدمية والطموحة، عندما يتعلق الأمر بتقديم خيارات مرنة للعمل عن بعد. ففي زيروكس هناك أكثر من 140 ألف موظف من 180 دولة حول العالم، 70 ألف موظف منهم في أميركا، و8 آلاف ممن يعملون عن بعد طوال الوقت. بينما يبلغ موظفو إيتنا 48 ألف، 43٪ منهم يعملون عن بعد. وفي ديل نحو 100 ألف موظف، 20٪ منهم يعملون عن بعد.
1- العمل عن بعد ليس ميزة إضافية للموظف فقط، بل جزء من استراتيجية الشركة:
فالموهبة لم تعد محصورة ضمن المساحة التي تقع عليها المؤسسة، وبعض أذكى الأشخاص الذين يمكن للمؤسسة توظيفهم قد يكونون على بعد مئات الآلاف من الأميال. وعلى هذا الأساس فإن العمل عن بعد، يسمح لك بالعمل مع أفضل المواهب بغض النظر عن الأماكن التي تتوزع فيها. وتقدم زيروكس هذه الميزة لموظفيها منذ السبعينيات، فيما تؤكد ديل وإيتنا على أهمية الاستراتيجية المترتبة على هذا النوع من العمل.
2- العمل عن بعد ليس لكل موظف:
تعمل إيتنا مثلاً على تقييم خيارات العمل، اعتماداً على 3 شروط: كفاءة الفرد، وقدرته على تأدية الوظيفة من المنزل، ومدى مناسبة بيئة المنزل لأمن العمل. كما تقر الشركات الـ3، بأن العمل عن بعد غير ممكن لكل موظف، سيما الذين يعملون في منشأة تصنيع مثلاً.
3- ضرورة التعليم والتدريب:
لا بد للمديرين من معرفة كيفية التواصل والتعاون مع الموظفين الذين يعملون عن بعد وبالعكس. وهذا لا يعني فهم المهارات اللازمة لهذه العملية فقط، بل فهم كيفية استخدام التقنيات المناسبة لتسهيل التفاعل المطلوب. كما يحتاج هؤلاء الموظفون إلى تلقي التدريب الأنسب لطبيعة عملهم.
4- الانسجام بين الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات:
إن الإطار اللازم لتمكين العمل عن بعد، يأتي من موظفي تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية. وهذا يعني أن عليهم تشكيل علاقة عمل وثيقة، يفهم من خلالها قسم تكنولوجيا المعلومات متطلبات العمل التي يحتاجها العاملون. بينما يكون على قسم الموارد البشرية العمل على فهم الاحتياجات التقنية والموارد والقيود المفروضة على التكنولوجيا، لتمكين هذا النوع من العمل.
5- فوائد جمّة للعمل عن بعد:
شهدت ديل أعلى مستويات مشاركة ورضا من الموظفين الذين أعطوا خيارات مرنة للعمل عن بعد. ومع ذلك، فإنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن هؤلاء الموظفين يأتون إلى مكاتبهم أحياناً، فهم لا يعملون بعيداً عنها بشكل دائم. وقد وفرت إيتنا بين 15-25٪ من تكاليف العقار، وفي عام 2014 وحده خفضت انبعاثات الكربون عن طريق منع الموظفين من القيادة لمسافة 127 مليون ميل، مما وفر 5.3 مليون غالون من الوقود، كما حد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بكمية 46,700 طن متري. أما في زيروكس، فيقود العاملون عن بعد، مسافة أقل بـ92 مليون ميل سنوياً، مما يوفر 4.6 مليون جالون من الوقود سنوياً، وهو يعني جملة من التوفيرات لأكثر من 10 مليون دولار. كما يشمل برنامج عمل ديل المرن، حوالي 20 ألف موظف أو 20٪ من مجموع القوى العاملة لديها. ومن بين الشركات الـ3 المذكورة في هذا المقال، فإن جهود ديل هي الأحدث لكنها في الوقت نفسه ذات تأثير كبير فعلاً. ففي عام 2014 وفرت ديل 12 مليون دولار، وحدت من انبعاث 6,700 طن متري من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. كما أن جميعها تؤكد على أن الموظفين الذين يحصلون على خيارات العمل عن بعد، يكونون أكثر انخراطاً وإنتاجية وسعادة في العمل.