نوادر المعلمين
قال بعضُهم: مررت ببعض سككِ البصرة وإذا معلمٌ قد ضرب صبياً، وأقام الصبيان صفاً، وهو يقولُ هلم: اقرءوا. ثم جاء إلى صبي بجنْب الصبي الذي ضربه، فقال: قُل لهذا يقرأُ، فإني لست أكلمه.
قال أبُو عثمان: كان ابنُ شُبرمة لا يقبلُ شهادة المعلِّم، وربما قبل شهادة المؤدِّب.
وكان يحيى بنُ أكثم أسوأ الناس رأياً فيهم.
وكان السنديُّ بنُ شاهك لا يستحلِفُ المكاري، ولا الحائكَ، ولا الملاحَ، ويجعلُ القولَ قولَ المدَّعي ويقولُ: اللَّهم إني أستَخيرُك في الحمَّال ومعلِّم الكتاب.
وصفَ بعضُهم معلِّماً فقال: هو أفْرهُ الناسِ وصيفاً، وأكثرهُم رغيفاً.
قال بعضهم: مررْتُ بمعلم وإذا صِبيانُه يلعبُون ويقتَتِلُون، فقلتُ للمعلم: ما بالُ صبيانكَ ليْسُوا يَفْرَقُون منك!! قال: وأنا أيْضاً لستُ أفُرقُ منْهم.
قال: وقال غُلام لأبيه: لا أريد هذا المعلم. فقال له أبُوه: ما لَهُ؟؟ قال: يصْنُع بي أمْراً عظيماً. قال: يسْتخدِمُك؟ قال: أشد مِنْ ذلك. قال: فيضربُك؟ قال أشد من ذاك. قال: فيعُفجُك؟ قال أشد مِن ذَاك. قال: فأيُّ شيءٍ ويلك يفعلُ بك؟ قال: يأكُل غدايَ.
قال: كان معلمٌ يُقيمُ الصبيانَ صَفَّين، ويتكئ صبيين بيديه، ويقولُ: أربعةُ وأربعةٌ: ستةٌ. فقلت له: إذا كانَ أربعةٌ وأربعةٌ ستةً، فكمْ يكونُ ثلاثةٌ وثلاثةٌ؟ قال: صدقتَ. لم آخذْ جذْره.
وكان لأبي دواد المعلِّم ابنُ، فَمرضِ، فلما نَزعَ قال: اغْسِلوه. قالوا. لم يمتْ بعد. قال: إلى أن يُفرغَ من غَسْله ما قد ماتَ.
وقال شريكُه: تعلِّم الصبيانَ - وعليك قميصٌ جديدٌ فيسودونه عليك؟ قال: قد اشتريتُ قطْناً، وقلت لأهِلنا: يغْزلُون قميصاً خَلَقاً.
قال: مررتُ يوماً بمعلِّم - والصبيانُ يحذِفُون عينَه بالقَصب - وهو ساكتٌ - فقلت: ويحْكَ!! أرى منك عَجَبا. فقال: وما هُو؟ قلتُ: أراكَ جالِساً والصبيانُ يَحْذفُون عَيْنِك بالقَصب!! فقال: اسكتْ، ودَعْهُم. فما فَرحي والله إلا أنْ يُصيبَ عَيْني شيءٌ، فأريكَ كيفَ أنتِفُ لِحَي آبائهم.
كان بحمص مُعلم يُكنى أبا جعفر يتعاطى عِلْمَ الحساب، فصارتُ إليه يوماً امرأةٌ، فقالتْ: يا أبا جعفر:؛ قفيزُ دقيق بثمانيةِ دراهم كم يُصيبُني بأربعة دراهمَ؟ فقال لها، بعد أن فكَّرَ: في هذه المسألةِ ثلاثةُ أقوال: أحدهما أنْ تُعطى الرجُل أربعةٌ أخرى، وتأْخُذي قفِيزاً، والآخر: لك قفيزٌ إلا بأربعةِ دراهم. والثالث: تدفعين دِرْهمَ درهمَ، وتأْخذين مَكُّوكَ مكُّوكَ حتى تستوفين.
وصار إليه ثلاثةُ روز جارتين قد أخذوا أجْرتَهم دِرهمين فقالوا: يا أبا جعفر، كيف نَقْتٍسم الدِّرهمين ونحنُ ثلاثةٌ؟ قال: أسْقِطوا منكم واحداً، وخُذوا دِرهماً درهما. قالوا: سبحانَ الله!! كيفَ نُسْقِط أحدَنَا وقد عمِلَ؟ قال: فزيدوا واحداً. وخذوا نِصْفَ نصف. قالوا: كيف نزيد فينَا من لم يعمل ويأْخذ كرانا؟ قال: فخذوا نِصْفاً نصْفاً واشتروا بالباقي تمراً، وكُلوه.
وسألته امرأةٌ، فقالت: أربعةُ أرطال تمر بدرهم، كم يُصيبُني بدانق ونصف؟ ففكر ساعةً طولة، وأدخلَ يديه تحت ذَيْلِه، وجعلَ يحُسِبُ بهما ثم أخْرج يديْه وقد جَمعُهما، وقال: كُتلةٌ مثلُ هذه كبيرةٌ.
وقال بعضهم مررتُ بمعلم وهو جالسٌ وحده، وليس عِنْده من الصّبيان أحدٌ، فقلتُ له: يا معلِّمُ، ما فعل صبيانُك؟ فقال: خلْف الدُّور يتصافَعون. فقلتُ: أريد أن أنظرَ إليهم. فقال: إن كان ولا بُدَّ فغط رأسكَ، لا يحسبُونك أنا فيصفعُوك