تصف نورا إفرون سيدة تأمل أن تفوز بمسابقة وطنية للخبز في هذه المقالة الرائعة:
انتهت إدنا باكلي مؤخرًا من تمثيل ولاية نيويورك في المسابقة الوطنية لطبخ الدجاج، بعد أن قُوبلت بالفشل حيث رُفضت وصفتها لإعداد طبخة الدجاج المحمر بخليط البيرة، الجبنة وأصابع البسكويتة المهروسة. رغم أنها أحضرت معها منديلها الجالب للحظ، حذوة حصان وقطعة نقدية جالبتين للحظ. وأيضًا قطعة قماش لحمل الأواني الساخنة [i] مطبوع عليها شخصية عجينة بلزبري [ii] وأيضًا مشبك لأمنا العذراء، وكل مجوهراتها بما يتضمن حلية فضية على شكل شخصية عجينة بلزبري. (من كتاب كريزي سالاد).


أحببت ما لم تتضمنه الجملة، فلم تتضمن أوصاف مبهمة للشخصية، كلمات مثل مؤمنة بالخرافات أو غريبة أطوار أو مهووسة. فتضمين إفرون لهذه التفاصيل الكثيرة ساعدت في جعل شخصية إدنا باكلي قابلة للانكشاف. على عكس الصفات المبهمة والتي قد تخفي شخصيتها.


في صحيفة يو إس إيه توداي نشرت قصة فتاة مراهقة، راكبة أمواج فقدت ذراعها بعد مهاجمة قرش لها في هاواي. افتُتحت القصة هكذا:


لطالما كانت بيثاني هاملتون طفلة عطوفة، لكن زاد الأمر أكثر بعد حادثة هاواي للفتاة ذات الأربعة عشر عاماَ التي فقدت ذراعها الأيسر بعد مهاجمة قرش لها في احتفال عيد القديسين-الهالوين. حيث تركت الحادثة أثرًا عميقًا على عاطفتها.


برأيي هذه مقدمة بلا طعم، وذلك بسبب الصفة “عطوفة”. غالبًا ما يميل الكُتاب إلى استبدال التعبيرات التجريدية بصفات وذلك للكشف عن الشخصية. فهنالك كاتب يخبرنا أن صاحب المتجر كان متحمسًا، أو أن المحامي كان تواقًا لإغلاق قضيته. أو أن فتيات المدرسة كن يتمتعن بشعبية. بعض الصفات- شاحبة اللون، شقراء، رشيقة- تساعدنا على التصور. أما الصفات كـ”متحمس” فهي تعبيرات تجريدية، متنكرة خلف قناع.


فالقارئ الذي يواجه مثل هذه الصفات يصرخ في صمت وكأنه يقول: ” يا سيدتي الكاتبة! لا تخبريني فقط بأن راكبة الامواج الرائعة كانت عطوفة، أريني ذلك!”. ولأعطي الكاتبة حقها، فقد نجحت في ذلك.


جيل ليبر الكاتبة، تصف هنا حال راكبة الأمواج من فراش المستشفى، “ألحّت مهتمة وعيناها غارقتان بالدموع”، للتأكد أن قرش النمر ذا الخمسمئة رطلٍ، الذي هاجمها “لم يتعرض للأذى”. لاحقًا قابلت هذه الفتاة عالمًا نفسيًا أعمى وعرضت عليه التبرعات الخيرية التي تلقتها لـ“تمول له عملية استعادة البصر”


وفي ديسمبر، أسرت هاملتون المزيد من القلوب – في جولة إعلامية في مدينة نيويورك – حيث خلعت سترة التزلج، بغتة وقدمته لفتاة مشردة كانت تجلس على الحاجز الحديدي في قطار الأنفاق في التايمز سكوير. واكتفت برداء داخلي بلا أكمام. ومن ثم ألغت رحلتها للتسوق المُسرف حيث بررت ذلك على حد قولها بأنها تملك العديد من الأشياء.


الآن فهمت، تلك الفتاة حقًا عطوفة.


يخلق أفضل الكُتاب تصورات مؤثرة عن الناس، صورًا تكشف عن شخصياتهم وعن تطلعات تلك الشخصيات وآمالهم ومخاوفهم.


إيزابيل ويلكيرسون، كاتبة في صحيفة نيويورك تايمز تصف حال أمٍ تملكها خوف شديد على سلامة أطفالها. مبتعدة عن استخدام أوصاف كـ “يائسة، خائفة.” بدلًا من ذلك، هي تصور لنا امرأة تجهز أطفالها للذهاب إلى المدرسة:


ثم رشتهم.. رجّت علبة البخاخ ورشت معاطفهم، رؤوسهم، أياديهم الصغيرة الممدودة. رشّت عليهم من الأمام والخلف لتضمن سلامتهم في طريق ذهابهم للمدرسة، لمواجهة طلقات الرصاص، مستقطبي العصابات، وعالم مجنون وخطر. إنه زيت مقدس، استثنائي، له رائحة كرائحة عطر من مراكز التجميل. حيث يُغمض الأطفال أعينهم بقوة، حتى تنتهي من الرش، وهي متحمسة بروح منتقمة وذلك ليعودوا إليها أحياء، سالمين في نهاية اليوم.


بإعادة تكوين المشهد تأخذنا ويلكيرسون إلى عالم العائلة المكافحة، وتعرض لنا فرصةً للتعاطف معهم، حيث دعمت المشهد بكلمات منطوقة بألسنة الأطفال:


هذه هي قوانين أنجيلا ويتكر لأطفالها، تُذكر بانتظام على طاولة الطعام الرخامية:


ويلي قال: “لا تتوقف توقف عن اللعب”. [iii]


وقال نيكولاس: “اركض إذا سمعــتَ صوت إطلاق النار.. لا تقف في القرب”.


هتف الولدان معًا بقولهم: “لأن طلقة الرصاص ليس لها عيون” .


ويلي قال: “إنها تدعو لنا، كل يوم”.


باربارا والش كاتبة في ماين سنداي تيلغرام، تقدمنا لمجموعة من الفتيات اللواتي تواجههن الضغوط الاجتماعية للمرحلة المتوسطة. القصة تبدأ أثناء حفلة مدرسية راقصة في قاعة رياضية، “تفوح منها رائحة عطر بالخوخ والبطيخ، ورائحة كولونيا رخيصة توضع بعد الحلاقة، وحلوى تيك تاك بالقرفة، وعلكة الفقاعة”.


مجموعة من الفتيات يرقصن حول دوائر ضيقة، يضبطن شعورهن ويتحركون مع إيقاع الموسيقى.


روبن قالت: ” أحـــــــــــــب هذه الأغنية”. [iv]


تشير روبن لمجموعة كبيرة من الفتيان والفتيات، عشرين شخصًا مجتمعين حول الـ دي جي.


تصيح قائلة إلى جانب الموسيقا “هــــــــــــم من المشاهير، ونحن لسنا منهم”.


“نحن مجموعة متوسطة الشهرة”، تضيف إيرن “ليس عليكِ إلا أن تُكوِّني مجموعتك الخاصة وترقصي معها”.


ترد روبن: “لكن من السخافة أن ترقصي مع شخص متوسط الشهرة”، وتضيف باعتراض: “ستخسرين نقاطًا” .


عن ماذا كانت القصة؟؟ الكلمات التي كنتُ سأختارها ستعيدنا إلى مجموعة التعبيرات التجريدية السابقة الذكر: سن المراهقة، عدم الشعور بالأمان، ضغط الآخرين، الحالة الاجتماعية، القلق، التعبير عن الذات، الحساسية، تفكير الآخرين عنك. فمن الأفضل لنا نحن كقُراء أن نسمع ونرى هذه الحقائق من خلال وقائع حدثت لفتيات مشوقات بأصوات تلك المراهقات وبنفس طريقة نطقهم الخاصة لحروف العلة. فهذا أفضل من الأوصاف التجريدية الخاصة بعلماء الاجتماع.


ورشة عمل:





1. بعض الكُتاب يدرسون ويبحثون حتى يصلوا إلى الصفة الغالبة، ليعبروا عنها بجملة واحدة. إليك مثال: “والدة المشجعة مسيطرة ولا تطاق”. قد لا يكتب الكتاب هذه الجملة أبدًا، عوضًا عن ذلك يحاول الكُتاب خلق مشهد يستطيع القارئ من خلاله أن يصل إلى هذا الاستنتاج دون ذكره مباشرة. حاول أن تطبق هذا الأسلوب بقصة من قصصك.


2. استمع إلى القصص المذاعة والمكتوبة للراديو العام الوطني، انتبه لطريقة سرد محتويات ومسببات القصة. وماهي الصفات الشخصية التي يهتمون بذكرها في خُطَبِهم؟ وكيف ستقدم هذه الخطبة بشكل مطبوع؟


3. لترافقك مذكرتك الشخصية في الأماكن العامة، في مركز التسوق، في الكافتيريا، في المدرج الرياضي. راقب سلوكيات الناس، مظاهرهم وأحاديثهم. دَوِّنْ ما يتبادر إلى ذهنك من صفات شخصية: بغيض، محب، مُراعي، مضطرب. والآن دون التفاصيل التي قادتك لاستنتاج هذه الصفات.